مقال ...ـ

لم أكن مستعدا لأنشر مثل هذه المقالات التي مازلت أعتقد أن لها من الخصوصية ما يمنعها من النشر لكن كسرت هذه الخصوصية بفعل فاعلين
ولما كسرت لم أرى داعيا لمنعها

هذا المقال كتبته في كافيتريا الكلية كنت ساعتها أشعر به

أما الآن فأعتقد أن غيري من كتبه فلا تلوموني على ما فيه ...

لكن بكل تأكيد يمكن أن تلوموا كاتبه



غصة في الحلق
ضيق في الصدر
ذلك الاحساس بأن ضلوعك غاضبة من قلبك أو أن قلبك أسير ضلوع قاسية تمنعه حريته ..
عقلك يفكر في ... لاشيء

يتسائل ؟؟ وربما يتخيل ـ لست أدري ـ

لما .. ؟ كيف ...؟؟ أين ؟؟؟ متى ....؟؟؟؟

مع العديد من التأوهات والإضطرابات التي ترسم على الوجه صورة متنافرة العناصر متقلبة الأشكال غير مفهومة على الإطلاق . ابتسامات تتبعها زفرات ، تتخللها نظرات .. تارة مقتحمة جريئة وتارة منكسرة ذليلة وأخرى تائهة حائرة وأحيانا نظرات بلا معنى فقط ساهمة

هل هذا إحساس ؟؟؟ ربما لكن .....

لما .. ؟ كيف ...؟؟ أين ؟؟؟ متى ....؟؟؟؟

يكاد قلبي ينفطر ... أشعر بضرباته كمطرقة مسرعة تسابق الوقت لتقهر قطعة حديد بائسة أوقعها حظها العاثر في حب سندان ..


يكاد القلب يتوقف ... أشعر بضرباته أيضا كمطرقة توشك أن تقف بعد أن قررت أنه قد حان وقت فراق قطعة الحديد للسندان


آمال .... وأحيانا أوهام ... يغلفها اليأس في الغالب لكن تحدوها أحيانا أفكار ربما تصنع تبريرا لسخف تلك الأحلام

حالة من لا شيء ....
لا ليست كذلك ... هي حالة من كل شيء

لا أيضا ليست كذلك هي حب هي كره هي فرح هي حزن هي لوعة هي عبرة .. هي هي هي .... لست أدري ما هي .. ؟؟؟؟

ترى هل يعرفها الشعراء ......... ؟؟
أو يفهمها العقلاء .....................؟؟؟


كيف أصفها إذن ؟؟؟

ممممممممممممم

لا يبدو لها وصف !!

يقول صديقي قل ماذا حدث أصف لك ما تشعر ؟؟؟

بكل صدق أخبرته لم يحدث شيء فقط هو ما وصفت .. !! تركني لاعنا جنوني وراثيا لحالي .

تقول صديقتي حين سخرت من ( نزار ) ـ لا تنظر بعقلك .. أنظر بقلبك .. ) .. سخرت منها أيضا
هكذا أخبرتني بكل بساطة أني لا أشعر لأني لم أذق ومن ذاق عرف .. كما تدعي

حين عرف صديقي أخبرني ساخرا ( هذه لعنة نزار )
لم أتركه حتى قال

هي لعنة عصر مظلم .. في بلد بائس .. ولشخص أكثر بؤسا ..

ضحكت ومضيت اتغنى بشعر لمطر يقول أعرف الحب ولكن ....

ولكن

ولكن


لكني حتى الآن لم أفهم

لما .. ؟ كيف ...؟؟ أين ؟؟؟ متى ....؟؟؟؟


بس

الطريق






هذه الحلقة الثالثة من سلسلة العمرة التي بدأت أدعوا الله أن أنتهي منها

المهم

أين توقفنا ؟؟؟

نعم .. نعم .. العبارة

وما أدراك ما العبارة
لن أطيل الوصف لأني أمل .. فقط هي ذلك الشيء الذي يستخدمه غيرنا ليرتاحوا ونستخدمه نحن لننحشر .. أو لنغرق .. مثل كل سيارات النقل العام المصرية كتلة بشرية تكاد لا ترى شيئا سوى أجسام محشورة كل حسب نباهته في اختيار مكانه وخبرته كذلك .. في مثل هذه الأمكنة يغدو أسفل المنضدة في المطعم مكانا استراتيجيا

طبعا لأنه ليس لي خبرة العبارات ، معتاد فقط على سيارات النقل العام فقد انتقلت بسرعة إلى قاعة كبيرة وحمدت الله أن استطعت أن أحوز مقعدا كنت أنا وبجواري أخي ومرافقنا ذو الخمسين عاما ونيف

بعد حوالي الساعتين من الوقوف قيل أنها للتحميل بدأت السيارة .. أقصد العبارة تتحرك وبعدها بنصف ساعة قمنا بالتناوب للوضوء والصلاة خشية أن نفقد كنزنا الثمين ( مقاعدنا ) . صلينا واقترح علي أخي الذي كان قد تجول في العبارة أن نصعد إلى السطح لجمال المنظر من هناك

وفي عملية نذالة معتادة لرفيقنا الكريم وافقت أن نصعد تاركين له شرف حراسة كراسينا الثمينة .. صعدنا متخطين العشرات من الجثث الملقية في طرقات العبارة الطويلة لنصل بعد عناء إلى السطح

علمنا ونحن نسير أن العبارة بهذه الحالة ليست مزدحمة بدرجة كبيرة إذ أننا في بداية الموسم وأنها في رمضان تحمل ضعف هذا العدد طبعا لم أصدق .. لا يمكن

وصلنا السطح لنجد منظر جميل للبحر شرعت في تصويره ..

بدأنا بإحدى العمليات التي تزيد البأس لدينا . نعد قوارب النجاة والرفاصات لنكتشف أنها مقدر لها أن تحمل ستمائة راكب على الأكثر ولما كانت العبارة تقل ألف راكب على الأقل كان علينا أن نطمئن كثيرا فالناجون من عبارة السلام كانوا يقولون أن القوارب هذه حملت ثلاث أضعاف حمولتها .. إذن العدد كافي على ما يبدو ظلمنا العبارة

التقطنا مجموعة من الصور التذكارية التي توثق متعتنا التي لا غبار عليها .. ولنأكد للحاقدين كم أننا مواطنين سعداء فلا داعي لإشاعات تعكر صفو علاقتنا الحميمة مع حاكمنا المبجل


أنظروا كم نحن سعداء

أربع ساعات هي مدة تحرك السفينة لتصل للجانب الآخر وتستغرق ساعتين لنبدأ بالنزول

الآن نحن في ميناء العقبة أول أرض غير مصرية نطؤها في رحلتنا السعيدة هذي

نحن في الأردن طبعا تلاحظ هذا بسهولة من صورة الملك الكبيرة الموجود في مدخل الميناء وعلى جدران المبنى الإداري .. من السهل أن تعرف أي بلد عربي أنت .. فقط إن كنت تعرف صورة حاكمه أو من يركبه

ظللنا في الميناء قرابة خمس ساعات ريثما نتمكن من إنهاء الإجراءات ـ تفوقوا على مصر بسرعة أدائهم ـ
انطلقنا بعدها بالحافلة ناحية الحدود السعودية ـ ملاحظة لهيئة الطرق طرق الأردن والسعودية أنظف وأفضل وأكثر راحة من الطرق المصرية ـ عموما كان الليل قد ألقى ظلاله كما يقولون وهكذا حاولت النوم لكن لم أستطع فقط اكتشفت المأساة كنا جالسين في الكراسي الأخيرة بالحافلة فوق المحرك الذي يبدو أنه يستخدم للتدفئة أو لطهي الطعام لست خبيرا في استعمالات المحرك لكن فقط أعرف أنه استطاع أن يحيلنا كتلة من العرق المغلي العجيب في الأمر أن أخي راح في سبات عميق وهو الذي لا يستطيع النوم في السيارات كما يدعي

وصلنا مع طلوع الفجر إلى حالة عمار وهي أول مدينة سعودية في الطريق والحقيقة لم نواجه متاعب تذكر في خروجنا من الأردن ودخولنا السعودية يبدوا أن مطر متشائم قليلا إذ نحن هؤلاء نحصل على كل حقوق البغال في العبور بلا مضايقات

في حالة عمار قرر الفوج التوقف ريثما ينام السائق وهكذا توقفنا خمس ساعات أخرى تقريبا حتى أشرقت الشمس لم أفعل فيها سوى أن عرفت جحور النمل في حالة عمار بجوار الرصيف

تحركنا من حالة عمار لنتوقف في خيبر بعدها بأقل من الساعة هؤلاء الناس يقضون نصف رحلتهم في الطريق يبدو أنهم مستمتعون بذلك إذ بمجرد توقف الحافلة الكل يعرف عمله بسرعة تفرد الفرش وتهيئ النار ويوضع كافة أنواع الطعام بداية من اللحم حتى الفول بالزيت الحار ثم طبعا الشاي والقهوة هذه أشياء لا تنسى يبدو أنهم مستمتعون فعلا ..

تركنا خيبر لنتوقف في تبوك صلينا الظهر والعصر ودخلنا أحد المطاعم لنجد الرجل مرتبكا جدا وكأننا قتلة طلبنا منه دجاجة فأدخلنا حجرة داخلية كأننا طلبنا ( قرش بودرة ) المهم غاب قليلا وعاد بصحن كبير قطره تقريبا نصف متر به أرز مخلوط بالبهارات والزبيب تستقر أعلاه دجاجة كاملة .. لا داعي لوصف أدق فالتأمل يحتاج وقت لم أقدر على انتظاره .. ربع ساعة تقريبا كانت كفيلة لنقل الدجاجة إلى داخل بطوننا الكريمة لكنا لم نقدر على نقل الأرز كاملا .. كان الأكل لذيذا جدا ـ من قال أن السعوديين لا يجيدون الطهي ..؟؟ ـ

قمنا مثقلين نقدنا الرجل المرتبك حسابه وإذا به كما اللصوص بطلب منا الخروج من باب خلفي سألته عن السبب مما يخاف ؟؟ .. برعب بالغ أخبرني من رجال الهيئة ـ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ إذ أن الوقت وقت صلاة العصر وعلى الجميع إغلاق أعمالهم ... تعاطفت معه وخرجت كما أرشدني لاعنا في سري كل فهم أحمق لديننا اليسير .. لم إذن جعل الله وقت الصلاة ممتدا ؟؟؟ لست أدري لم ذكروني بأولئك الذين يضربون كلبين يتزاوجان بحجة الحفاظ على الدين في الطرقات ... جهل عافاكم الله منه

رجعنا إلى الحافلة فوجدناهم مازالوا يعدون طعامهم انتظرنا على مضض هؤلاء الناس يسيرون ساعة ويقفون ساعة لن يصلوا اليوم بالتأكيد

خيب ظني السائق بعد ذلك إذ لم يتوقفوا إلا بعد عشر ساعات تقريبا في المدينة المنورة

دخلنا المدينة مع أذان المغرب لنتوجه كما المحرومين إلى المسجد النبوي الشريف أخيرا أنهينا معاناة السفر

شعور جميل وغريب لست أدري كيف أصفه ـ هل يوصف الشعور ؟؟ ـ عموما إن أردت أن تجربه فقط اذهب إلى العمرة بالطريقة البرية ثم انس تصريح الخروج من السجن وفقط ارجع لإحضاره وانطلق بكل سهولة إلى السعودية عبر المواصلات السهلة عندما تصل أنصحك .. أن تتجه إلى المسجد النبوي قبل أن تفعل شيئا آخر .. أذكرك هذه الطرقة سهلة لذا لا تتفلسف من البداية وتحضر التصريح لن تشعر حينها بما شعرت .. هذا فقط إن أردت أن تعرف

ودعنا رفيق معاناتنا وقابلنا أبي لنذهب إلى الفندق وهكذا بدأت أولى مراحل رحلتنا الجميلة


المدينة المنورة

بكل بهائها
ونظافتها
وترتيبها
وسياراتها التي تحترم إشارة المرور
والمسجد النبوي
بنظافته
وتكييفه
وهدوئه
وشرف احتوائه على قبر الرسول
هذا غير
علماءه
والعاملين في الزجر بالمعروف والإرهاب من المنكر
وإغلاقه ليلا
و..........ـ

عموما المدينة بجمالها الذي يحاولون طمسه ... ـ

من هم ؟؟ .. !! ـ

حسنا في المرة القادمة أخبرك

ارجع ...!! ـ





هذه ثاني المقالات في سلسلة حديثي عن العمرة المباركة في بلادنا البائسة


ميناء نويبع .... ـ
هكذا قرأنا على لافتة متهالكة تصف المكان ،، وهكذا تنفس الجميع الصعداء ... آخر بقعة مصرية ... بعدها سنغدوا أجانب ـ وإن أقسم القوميون على غير ذلك ـ هنا تنتهي سلطة أمن الدولة ـ ربما لتحل مكانها سلطة أخرى ـ

المهم أنها تنتهي بعد هذا المكان

بعد هذا المكان .. لن تصدم عينيك صور مبارك والعبور للمستقبل والفكر الجديد ... ربما لتنتقل إلى صور قطعة شطرنج أخرى يسبح غيرك بحمدها .... لكن هذا خير .. قد يكسر التغيير الملل

كان لدي فضول عجيب لأرى كيف ينافق غيرنا غيره
وكيف يركب غيره غيرنا

المهم

بعيدا عن هذه الخواطر العجيبة التي لا أظن أنها قد تجتاح رأس معتمر ، بيد أن رأسي قد ابتليت بها ،، عافاكم الله

نرجع إلى وصف الميناء الذي هو من المفترض آخر مكان يراه المغادرون وأول مكان من ـ مصر الكنانة ، مصر العبور ، مصر الفكر ، مصر مبارك ـ يراه القادمون

حتى لا أتعب في وصف قد أتهم فيه بالمبالغة والتشاؤم ، وحتى تقترب الصورة ،، فإن المكان لا يختلف في قذارته وتخلفه وفوضويته وبدائيته عن أي مرفق حكومي آخر ـ هكذا أنا محايد ـ هو شيء أقرب إلى موقف عبود لسيارات الأجرة الموجود في القاهرة تماما بيد أنه يقع على البحر
نفس الكراسي الخشبية المنهكة من مر الشكوى .. نفس الوجوه الكالحة التي تقرأ فيها كل ما يعانيه هذا البلد من ظلم وقهر وفقر .. نفس السيارات التي تكاد تقتصر مهمتها على زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري في الأرض والاحتباس الجسدي للراكبين

توقفت السيارة في منتصف الميناء تقريبا وأخبرنا المشرف أن علينا أن نذهب لنختم الجوازات بتأشيرة الخروج ، استعدادا لركوب العبارة والمغادرة

تحركت بخطى سريعة ووجه باسم ونفس ساخرة كما هي عادتي في الغالب ، لأقف أمام ضابط الجوازات استعدادا لختم خروجي
ـ رايح فين ؟؟ ـ أكيد هو من يقول ـ
ـ عمرة إن شاء الله .. ـ طبعا هذا أنا ـ
ـ يعني خارج على فين ؟؟ وابتسامة بلهاء
ـ السعودية إن شاء الله .. وابتسامة أكثر بلاهة
ـ السعودية ولا الأردن ؟؟ وابتسامة ساخرة
ـ بص اللى تشوفو سعادتك .. وابتسامة مخنوق
ـ وهو ينظر إلى الجواز فين تصريح السفر ؟؟؟
ـ ماهو في إيدك ياباشا
ـ لا ده الجواز فين التصريح ؟؟؟
- لا رد
ـ طيب ياعسل ماينفعش روح هاته وتعالى أختملك
ـ ابتسامة بلهاء ( حتى الآن أشعر أنه يمزح ) ـ
ـ بقولك ماينفعش إنت هاترجع
ـ نعم ؟؟ ( بدأت أشعر أنه لا يمزح ) ـ
ـ يابني أنا مابهزرش جوازك مش مختوم من التجنيد ومحتاج تصريح سفر من الجيش
ـ ما أنا جبت الورق بتاع الجيش وخدوه في الجوازات وبناء عليه طلعولي الجواز
- يابني أنا ماليش فيه دي تعليمات لازم تجيبه تاني وتطلع تصريح خروج
- والحل
- أبدا إرجع هاته وتعالى
لا يعلم هذا الظريف أنه يتكلم عن مسافة أكثر من خمسمائة كيلو تقريبا أشعر أنه يظن أني أسكن خلف الميناء

طبعا لست في حاجة إلى إكمال الحوار حيث أن الباقي تدخل أبي في المناقشة ليتبين أن أخي إسماعيل أيضا له نفس المشكلة



بدأنا في البحث عن أي مخرج لدى رئيس الميناء أو أي من العاملين فيه لكن كانت الإجابة تنتهي بأن هذه تعليمات الجيش ، حتى أن الضابط المسئول قال لأبي أن لو رئيس الجمهورية نفسه هنا ما يعرفش يخلصها ـ طبعا ابتسمت رغما عن الموقف من سذاجة هذا الضابط ـ لكن في النهاية اتضح أن علينا أنا وإسماعيل أن نعود أدراجنا مرة أخرى لكي نستخرج تصريح بالسفر من إدارة التجنيد بالقاهرة

ملحوظة
تصريح السفر يتطلب نفس الأوراق المطلوبة أساسا لعمل الجواز وبالتالي لا يمكن أن يستخرج أحد جواز سفر دون أن يكون له الحق في استخراج تصريح بالسفر
إذن ما أهميته ؟؟
هههه وهل هذا سؤال ؟؟؟ ... أزمة ورق طبعا

طبعا لست بحاجة لأن أصف لكم حالتي وأخي حينئذ ... تصور كل أحلام العمرة والصفاء والبيت الحرام ومسجد الرسول فضلا عن أحلامي الخاصة في رؤية كيف تنافق الشعوب وكيف يركب الحكام ... كل هذا ينهار فجأة

ولماذا ؟؟؟

فقط لأن الجيش يحب الورق ..!!


بعد مداولات ومحاولات من كل من يعرفنا ومن لا يعرفنا لم تفض لشيء
أخذنا قرارانا الوحيد الذي لا نملك غيره


العودة


بكل ما تحمله
من حزن
وقهر
وأسى
ويأس
وبؤس

وكل معنى سيء أعرفه

العودة

إلى أغبى
وأحقر
وأشنع
و...و...و...و .... حكومة عرفها التاريخ

فقط تذكرت أبيات لمطر يحسد فيها الحيوانات على نعمة عدم المرور من أمام جوازات الدول العربية
يقول
وتمرق الجمال من مراكز الحدود
في أسفارها
وتمرق البغال في آثارها
من غير إثباتات
بلا مضايقات
ونحن نسل آدم
لسنا من الأحياء في أوطاننا
ولا من الأموات

خرجنا نحمل كل تلك المشاعر والخواطر لترسم على وجهينا صورة متجسدة للحزن والقهر
أعين كسيرة وخطوات واهنة وصوت مبحوح وابتسامة ـ إن وجدت ـ باهتة ميتة

فقط نفس محطمة

خرجنا لنبحث عن وسيلة نعود بها إلى القاهرة .. ولتكتمل فصول مسرحية بائسة كان لا بد أن لا نجد أي سيارة من سيارات شرق الدلتا الغير آدمية أساسا متاحة في هذا الوقت

لتكتمل لوحة بؤسنا وسخطنا على تلك البلاد

أشار علينا أحدهم بركوب سيارة أجرة من الواقفة أمام الميناء
وبما أن هذه أول مرة نكون فيها في ذلك المكان فتوقفنا أمام المنادي الأول ( مصر .. مصر يابيه ؟؟ ) ـ
بعد أن استفسر منا عن إن كنا نريد سيارة خاصة لنا ـ تاكسي ـ فلم نستطع أن نوفي بسعرها أشار علينا بركوب سيارة أجرة وأخبرنا أن سعرها مئة وخمسون جنيها للراكب ـ للنفر ـ وحين أبدينا عجبنا من ارتفاع السعر وجدنا من يخبرنا أن هذا هو السعر الموجود هنا وأنه ينتظر من مساء أمس لكي يجد غيره فلم يركب حتى الآن

طبعا لم نكن في حالة تسمح لنا بالتأكد من صحة كلاميهما
فركبنا مرغمين

بعد حوالي الساعة تحركت السيارة

سيارة من نوع بيجو 504 لسبعة ركاب المشهورة
لكنها كانت ترسم صورة أخرى لمعاناتنا من سوء حالتها وتهالكها وبرودة سائقها إضافة إلى جو حارق في مثل هذا الوقت إذ لم تكن الساعة قد تجاوزت الحادية عشر ظهرا
فضلا عن سعرها المبالغ فيه

لكن ما باليد حيلة

مضى الطريق بنا مملا سخيفا كئيبا
لم يعد منظر الجبال يبهرني ، بل أصبح يخيفني
لم تعد الصحراء صفراء لامعة ، بل أضحت رمادية كالحة
لم يعد السفر متعة ، بل قطعة من العذاب

تعرفنا طبعا على رفقاء هذه الرحلة البائسة

والمفاجئة

أن أربعة من أصل ستة عائدون لنفس السبب

ومما خفف معاناتنا أن أحدهم تجاوز الخمسين من العمر ولم يرحمه بياض شعره ولا وحدة زوجه التي أكملت الرحلة بمفردها ، لم يرحمه ذلك كله من بيروقراطية حكومة غبية أصرت على أن يحضر بطاقة تصريح سفر للضباط الاحتياط على الرغم من أنه قد تجاوز السن الممكنة لاستدعائه للجيش مرة أخرى

لكن من قال أن للغباء منطق

وصلنا القاهرة بعد ست ساعات من العذاب ، وبدأنا نعد العدة لإنجاز أوراقنا غدا بسرعة ثم العودة مرة أخرى للميناء ومحاولة السفر

استيقظنا صباحا لنبدأ رحلة أخرى يعرفها كل مواطن مصري داخل أروقة حكومتنا الرشيدة ، كانت قصيرة على أخي الذي انتظرني لأنهي أوراقي التي تأخرت حتى الدقيقة الأخيرة لكثرة إجراءاتها

فقط أحب أن أذكر في ذلك اليوم أني ظللت أبحث عن مبنى وزارة التعليم العالي قرابة الساعة والنصف لأجده بعد عناء ـ مثالا لما تقدمه الوزارة من خدمة ـ مبنى قديم متهالك في منطقة لاظ أوغلي بالقاهرة تحيط به القذارة والقدم بل وتتوغل فيه لتشكل سمة خاصة له

هون على عذاب هذه الرحلة الداخلية في أروقة الحكومة وجود صديقي أحمد مختار معي في كل مراحلها حتى أنهينا الورق بسلام .. شكرا له على كل حال


المهم

بدأت أنا وإسماعيل الإعداد للعودة إلى الميناء وكان علينا السفر ليلا للحاق بموعد العبارة الوحيدة التي تتحرك في السابعة صباحا ـ مظهر آخر من مظاهر تخلفنا ـ
عرفنا أن هناك موقف للسيارات بالمرج به سيارات نويبع


ذهبنا هناك لنكتشف أن أجرة السيارة ثلاثون جنيها فقط ...!!!ـ

شعور قاس أن تعرف أنه قد غرر بك ـ على الرغم من أننا نحياه دائما في ظل هذا النظام ـ لكنه قطعا مؤلم

مضت الرحلة بنا هذه المرة سريعة وكان الأمل قد بدأ ينمو داخلنا في أننا قد ننجح في اللحاق بركب العمرة من جديد

وصلنا الميناء الساعة الثالثة فجرا تقريبا لنجد أن أبواب الميناء مغلقة لأنه حسب ما عرفنا يفتح أبوابه في السابعة صباحا ـ هنا يتفوق موقف عبود الذي يعمل أربع وعشرين ساعة ـ
انتظرنا بالخارج حتى السابعة وقابلنا أ.علاء ـ رفيقنا في المعاناة صاحب الخمسة وخمسين عاما ـ وكان قد أنهى أوراقه أيضا

وهكذا دخلنا مرة أخرى إلى موقف .. أقصد ميناء نويبع لننهي إجراءات سفرنا ونحصل على ختم المغادرة العزيز .. ثم نتفق مع إحدى رحلات العمرة المنتظرة على أن ننضم إليهم حتى المدينة وللعجب طلبوا أجرة مئة وخمسون جنيها فقط ـ نفس ما دفعناه لكي نصل إلى القاهرة ـ لعن الله الغش


انتظرنا حتى العاشرة لكي تتحرك العبارة من الميناء


شعور جميل أن تغادر سجنك ولو حتى إلى حين

شعور جميل أن تترك وطن لا هم له سوى إهانتك

شعور جميل أن تترك بلدا تجهد حتى ترى فيها شيئا آدميا

شعور بالراحة والأمن والحرية

ربما يكون منقوصا إذ أني أعلم أني لابد راجع .. لكنه يبقى جميلا

لست أدري لم يكرهون الغربة إلى هذا الحد

ما أحلاها
إن كان وطنك مثل هذا


ظللنا في العبارة أربع ساعات تقريبا لكن أصابعي تعلن تمردها عن الاستمرار في الكتابة لذا سأضطر لأن أجعلها في الحلقة الثالثة بإذن الله




يا شعبي .. ربَي يهديكْ .
هذا الوالي ليسَ إلهاً..
ما لكَ تخشى أن يؤذيك ؟
أنتَ الكلُّ، وهذا الوالي
جُزءٌ من صُنعِ أياديكْ .
مِنْ مالكَ تدفعُ أُجرَتَهُ
وبِفضلِكَ نالَ وظيفَتَهُ
وَوظيفتُهُ أن يحميكْ
أن يحرِسَ صفوَ لياليكْ
وإذا أقلَقَ نومَكَ لِصٌّ
بالروحِ وبالدَمِ يفديكْ !
لقبُ( الوالي ) لفظٌ لَبِقٌ
مِنْ شِدّةِ لُطفِكَ تُطلِقَهُ
عندَ مُناداةِ مواليكْ !
لا يخشى المالِكُ خادِمَهُ
لا يتوسّلُ أن يرحَمَهُ
لا يطلُبُ منهُ ا لتّبريكْ .
فلِماذا تعلو، يا هذا،
بِمراتبِهِ كي يُدنيكْ ؟
ولِماذا تنفُخُ جُثّتُهُ
حتّى ينْزو .. ويُفسّيكْ ؟
ولِماذا تُثبِتُ هيبتَهُ ..
حتّى يُخزيكَ وَينفيكْ ؟ !
العِلّةُ ليستْ في الوالي ..
العِلّةُ، يا شعبي، فيكْ .
لا بُدّ لجُثّةِ مملوكٍ

أنْ تتلبّسَ روحَ مليكْ
حينَ ترى أجسادَ ملوكٍ
تحمِلُ أرواحَ مماليكْ
هذا شعر طبعا كما هو واضح لأعظم شعراء العرب شاعر المنفى أحمد مطر
أحببت أن أتذكره الآن لا تسألني لما ؟؟؟
ربما هي عادة سيئة قد أقلع عنها غدا ... المهم أني تذكرته
أستطيع الآن أن ادخل المعتكف الممنوع بأمر الوالي ونفسي مستقرة